رحيلكَ .

سبعةُ أيامٍ .

بينما اصبحت الكلماتُ ثقيلةً في حنجرتها محاولةً تجنب النقاش عن أمر رحيله ذاك طلبت منه أن يغني لها ولأنه كان مُجبراً ظل يغني اغنيةً بعد الأخرى واحياناً عندما ينسى الكلمات يقوم بالهمهمة بصوتٍ منخفضِ اجش بسببِ التوتر .

هي فقط كانت تفكرُ بأن هذا الفتى عندما يرحل سيأخذ معه تلك القطعة الصغيرة في حياتها التي تُدعى .. الجنة !

_

كانت نائمةً بهدوءٍ على كتفه قبل أن تيقظها حركته ليهمس بارتباكٍ " اعتذر ~ "

هزت رأسها له مبينةً له بأنه لا بأس بينما تتثاءب قليلاً مأخوذة بما حولها .

أمها كانت لا تزال كما هي نائمة على سريرها بينما هي وهو يجلسانِ قريبانِ بجانبِ بعضيهما على الكراسي البلاستيكية أمام السرير المُسندة على الحائط خلفها .

الغرفةُ كانت مظلمة مع لحفةٍ من اللونِ البرتقالي والبنفسجي التي انارت السماء هناك خارجَ النافذة ... أنه الفجر !

رفعت نظره له ليعطيها هو ابتسامةً واهنه فهو بالفعل يعلمُ بما تفكر به ..

تسللت يده لتوضع على يدها وتتغلغل اصابعه في اصابعها جاعلاً منها تشعرُ بذلك الحنان والدفيء فيه .

" يجبُ أن .. أذهب ! " كان كما لو أنه لفظَ كلماتٍ عبرت عن كُلِ مخاوفها في تلك الثلاثِ الكلمات .

الخوفُ من أنه سيتركُ يدها قريباً جعلها تسمحُ له بالإمساكِ بيدها طوال الطريقِ في الممرِ نحو بوابة المشفى الضخمة .

ما إن وصلا الى تلك البوابة حتى تجمدت قدمها وقبضت يدها بقوةٍ على يده لا إرادياً !

" ماري .." كان الألمُ والحزنُ واضحانِ على صوته وهو ينطقُ باسمها من بينِ شفتيه .

" ألا يمكنكَ أن تذهب غداً ؟ أو ر – ربما .. الأسبوع القادم ؟" وكم كرهت نبرةَ اليأس تلك التي ملأت صوتها .

اعطاها ابتسامةً متأملة وهمس بهدوء " لا استطيع .."

" لماذا ؟ ل – لماذا يجبُ أن يكون اليوم ؟" كانت تترجاهُ كما لو أنها طفلٌ عنيد .

" هذا لأنني ... وعدت ! "

" لماذا ؟ ماذا سيحدث إن لم تعد ؟"

أخذ كيونغسو يتذكرُ ذلك التحذير الذي سمعه قبل أن يأتي إلى هذا العالم .

" سبعةُ أيام كافيةٌ لإحداثِ تغير ولكن إن كانت أكثر من ذلك .. فسيصبحُ الأمر صعباً عندها ! "

ما الذي سيكونُ صعباً ؟ ولمن ؟

لم يكن يشعرُ بأنه قد يوجدُ شيءٌ اصعب من هذا الذي يشعرُ به الآن ولكنه بما أنه لا يعلمُ إن كان العصيانُ سيجعلُ الأمر اسوء أو سيساعدُ في هذا الوضع كان عليه فقط أن يثق بما قيل له حتى وإن كان الأمر يؤلمه لدرجةٍ .. لا تطاق !

" الأمورُ سوف تصبحُ اصعب ! " اعلن اخيراً .

ابتلعت تلك الكتلة التي ظهرت في حنجرتها فجأةُ وهمست " هل يمكنني أن .. ازورك ؟! "

رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يقول بصعوبة " ذلك المكانُ الذي سأذهبُ إليه .. من الصعبِ عليكِ أن تذهبي إليه .. الآن ! " الأمرُ حقاً يجعلها .. تشكُ فيه

" ما الذي .. ما الذي تعنيه ؟ " شعرت وكأن عيناها تلسعانها في هذه اللحظة " إن كان خطراً اذا يجبُ عليكَ ألا تذهب إلى هناك – "

" أ – أنا لا انتمي الى هذا المكان ، ماري ! " كان دورها الآن لترمش بارتباك .

" ماذا تق – "

" هل تثقين بي ؟ " قاطعها ضاغطاً على يدها .

" بالطبعِ أنا أثقُ بك ! أنا – "

" فقط .." احاط بيديه وجهها واضعاً نظراته على عينيها بتمعن مُكملاً " تذكري .. بأنه يجبُ بأن لا تستسلمي ، اتفقنا ؟ لا تستسلمي ابداً ! لأنكِ اقوى مما تظنين وأنا لدي .. ايمانٌ كليٌ بكِ ! "

" كلا .. " خرجَ صوتها كهمسٍ حاد ..

" استمعي لي ! " نبرةُ صوته اصبحت اكثر حزماً ولكن انعم وأهدأ بينما يكملُ قائلاً " مكاني ليس هنا ! إنه في مكانٌ آخر عن هنا ! ومن القدرِ أننا كنا معاً .." توقف قليلاً ثم قال " يجبُ عليكِ أن تكوني قوية ! يجبُ عليكِ أن تعيشي ! "

حدقت في عينيه اللاتي اصبحتا الآن تشتعلانِ احمراراً .

" ولكن أنا  .. أنا أحبك ! " تنفست بصعوبةٍ بينما تنطق تلك الكلمة ..

تلك الكلمةُ الأخيرة حطمته وحولته إلى اشلاء جاعلةً منه يسحبها الى صدره ليعانقها بقوة .

" أنا أحبكِ ايضاً ! " همس بنعومةٍ وهدوءٍ في اذنها .

عيناه كانتا توخزانه بقوة وبداخله شعر بالكثيرِ من .. الألم !

شعرَ بالألمِ من هذه الخسارة التي يعيشها .. شعر بالألمِ بداخلِ احشائه وللتو فقط فهم ما كان يعنيه بيكهيون عندما كان يحذره مراراً وتكراراً من التقربِ منها كثيراً ..

الأمرُ ليس صعباً كما قال له .. بل كان ... مُستحيلاً !

اخذ الأمرُ منه كل طاقته كي يترك قبضته من عليها متشبثاً في هذه اللحظة الأخيرة معها بوضعه شفتاه على جبهتها بهدوء تاركاً قبلةً كانت ناعمةً وهادئةً جداً بقدرِ ما كانت قويةُ وشغفةً جداً قبل أن تنزل شفتيه لتطبع قبلةً اخرى علي عيناها اللاتي كانتا مغلقتانِ في هذه اللحظة .

اصبحت شفتاه مبتلةً بسببِ دموعها التي اخرجتها عينيها بدونِ توقف ، لطفت تلك الدموع شفتاه اللاتي فُتحتا قليلاً ليقول تلك الكلمات اللعينة .

" تذكري .. أن تكوني قوية .... تذكريني .."

.

.

.

~

  • اليومُ الأخير –

لقد رحلت هذا المساء .. اهم شخصانِ في حياتها رحلا .. واحدٌ في البداية والآخرُ في نهاية نفسِ اليوم .

اصبحت وحيدة ... مُجدداً .

والدها كان يبكي على ذلك السرير فقد اتى إلى هنا فور سماعه بالخبر .

كان يشهقُ بينما تهتزُ اكتافه بين اعتذاراته العشوائية تلك مجدداً ومجدداً .

هي لم تبكي ! لم تستطع البكاء !

استدار والدها لها مُكرراً نفس الكلمات لها هذه المرة " أنا آسفٌ ماري ، ارجوكِ سامحيني ! "

عانقته .. عانقته لأنها شعرت بأنه يحتاجُ ذلك العناق اكثر مما تحتاجه هي !

وعندها ادركت بأنها ... سامحته !

 ~

ظهرت العديدُ من الأشياء امامها .. كتوقيع بعض الوثائق التي وقعتها بهدوء بدونِ ان تحدق بشيء او تركز في شيء ، تقرير نوع الدفن والذي كان بحرقِ جسدها فهو الوسيلة الوحيدة التي لم تطل من ألم التحديق في جسد والدتها الضائع و طبعاً في وقتِ الدفن حيث وجد العديد من اصدقاء امها واقاربها ..

لم يكن لديها حتى الوقتُ لتحزن !

عندما انتهت من كل هذا كانت الساعةُ قد اصبحت التاسعة والنصف مساءً وبدونِ أن تشعر تذكرت بأن هذا هو وقت عودة كيونغسو من العمل ولكنه هذه المرة .. لم يكن هنا !

فتحت باب المنزل لتجد المنزل اكثر وحدةً مما تركته عليه المرة السابقة !

لم يتغير أي شيء في المنزل ولكن كل شيء أُخذ بعيداً عنها .. شعورُ الخسارة والندب كان يأكلُ قلبها ويتناول بقايا عقلها ..

الأجواءُ هادئةٌ جداً ..

رمت بجسدها على تلك الأريكة بأعينها التي لم تعد ترى جيداً أخذةً ذلك الريموت الالكتروني لتشعل التلفاز وتختار اي برنامجٍ عشوائي يحملُ اصواتاً بشريةً تملأ هذا الصمت في الغرفة .

اغمضت عينيها واضعةً ذلك الريموت بجانبها على الأريكة لتسع صوتاً كما لو أنه اصتدم بشيءٍ ما !

فتحت عينيها لترى ورقة ملاحظاتٍ صغيرة على الأريكة مع خطٍ يدٍ مألوفٍ عليها .

" لقد استمتعتُ بمشاهدةِ التلفازِ معكِ سواء أكان البيبرو أو البرنامج الموسيقي الذي تحبينه ! (70/8 )

من كيونغسو - "

نهضت من على الأريكةِ بفزع باحثةً عن المزيدِ من الملاحظات .

كانت هناك واحدة على طاولة المطبخ كُتب فيها " أنا أحب الكيمتشي والرامين الخاص بكِ ! (6/70)"

واحدةٌ اخرى كانت على باب الثلاجة !

" تذكري بأن تأكلي أكثر ! (9/70)"

اخذت تجولُ حول المنزل كالمجنونة باحثةً عن ملاحظاتٍ اخرى .

" أنا أحبُ أن أغني لكِ ، يجبُ عليكِ أن تغني أنتِ ايضاً ، عندها ستصبحين سعيدة ! (. 23/70)"

" أنا أحبُ ابتسامتكِ ! ابتسمي أكثر .. (2/70)"

" لا تكوني خائفة أو قلقة ! (34/70)"

في الأقراص في المرايات ، البومات صور أمها ، الكتب ، التقاويم السنوية ، الكراسي ، الخزانة ..

كلها حملت ملاحظاتٍ منه قامت بإلصاقها وترتيبها جميعاً على الحائط حسب الترتيب العددي !

1, 2, 3... 33... 54...70.
اصبح الجدارُ مغلفاً باللونِ الأصفرِ بسبب كل تلك الأوراقِ الصغيرة اللاصقة ، تخللت اصبعها مسافةً فارغة كانت بين رقمين وهما ستة وثمانية مما يعني بأن الملاحظة رقم سبعة كانت مفقودة !

جالت كل البيت .. المغسلة ، خزانات الحمام ، تحت الوسادات بحثت في كل مكان ولكنها لم تجدها !

سقطت بدونِ حياةٍ على الأرض حاملةً تلك الملعقة الفضية التي كُتبت عليها إحدى تلك الملاحظات السابقة ..

" لا بأس إن اصبحتِ متينة ! "

وعندها تذكرت ...

نهضت على عجلٍ راكضةً نحو المطبخ لتفتح باب الثلاجةِ ذاك كالمجنونة لترى اول علبة مثلجاتِ شوكولاتة اشتراها لها هناك بالداخل بملصقٍ اصفرٍ صغير عليها ..

انتزعت ذلك الملصق من عليها مغلقةً باب الثلاجة محتسةً الملاحظة الباردة بلمسها إياها بإبهامها .

" أنا أحبكِ .. كما تحبين الشوكولاتة ! (. 7/70)"

" كلا ..أنا .. أحبك .. أكثر من الشوكولاتة ! "

عندها فقط .. بدأت بالبكاء وهي تشهقُ كالطفلة قابضةً على تلك الورقةِ الصغيرةِ بقوةٍ بين يديها .

بكت لأنها كانت تعلمُ بأنه.. لن يستطيع سماع ما تقوله الآن .. ابداً ، تحطم قلبها في هذه اللحظة كان بحجمِ تلك الورقة الصغيرة ولكنه كان اثقل واكثر حملاً على روحها ..

اغضمت عينيها بقوة ليصبح كل ما تراه .. هو ذلك اللون الأصفرُ لا أكثر !

Like this story? Give it an Upvote!
Thank you!

Comments

You must be logged in to comment
manoorah #1
Chapter 1: فايتنغ اوني ، الترجمة جميلة واختيارك للقصة حلو. شكرا على الترجمة