كالطفل .

سبعةُ أيامٍ .

 

 
كان يتناولُ مثلجات الشوكلاته في اول مرةٍ رأته فيها ..
سائلٌ بنيٌ داكن يلطخ اطراف ذلك المخروط بيده وهو يلمع تحت الانوار الخافته في موقف الحافله .
اشتهائها للشوكلاته وذلك الارهاق المتراكم عليها منذُ عدةِ اسابيع ربما جعلها تختلسُ النظر لتلك الحلوى الذائبة اكثر من المتوقع قليلاً ! على اي حال ..
عندما رفعت نظرها وجدت مع قليل من الخجل .. عيناه الداكنه تقابلُ عينيها ..
محجرُ عيناه الكبير يبدو ضخماً مقارنةً بتعابير عينيه الغزاليه الآن وهو يرمشُ لها بوئام ..
حاجبان سميكان وشعرٌ اسودٌ قصير تناسقَ مع نحت جسده .. نظرةٌ نقيةٌ ، صادقة وحتى .. بريئة تماماً
.. كالطفل !
عندما تحدث بدا وكأن ذلك السائل المذاب بيده طيبُ المذاقِ حقاً ..
“هل .. تريدين البعض منه ؟!” انه يشيرُ الى مثلجاته ..
“آه .. ل- لا .. لا داعي ! ” جفلت وهي تلوح له بارتباك متفاجئةً من هذه الدعوة المفاجئة ..
لربما تحديقها الاطول من اللازم جعله يسيئ الفهم ولكن من هذا الذي يعرضُ على الغرباءِ كلياً ان يشاركوه مثلجاته على أي حال ؟؟!
ابتسم كلاهما لبعضيما لفقر الكلمات المناسبة للقول في هذه اللحظة فجالت بعينيها بعيداً فقط لتجد نفسها تحدقُ به مجدداً بعد ثواني !
لم يكن هناك اي احد سواهما في موقف الحافلة وهذا شئ معتاد فهي قد عملت في محطة الاذاعه لوقتٍ طويل بما فيه الكفاية لتعرف ان الناس لا يأتون الى هذا المكان صعب الوصول والبعيد إلا ان كانوا يعملون في مكانٍ قريبٍ منه او ان ضلوا طريقهم !
ولأنها لم تره هنا من قبل فيجب ان يكون السبب الأخير ..
كان يرتدي قميصاً اسوداً بسيطاً ومريحاً بأكوامٍ بيضاء ملائماً لجينزٍ اسود مع احذية رياضيةٍ بيضاء كطالبٍ مثالي ..
فقط عندما كانت تتساءل عن مدى اريحته في هذه الوضعيه امسكت عينيه بعينيها مجدداً !
“ليلةٌ متأخرة؟” ابتسم بعفوية بينما يعطي مثلجاته لعقةً اخرى .
” لا بأس انا معتادةٌ على هذا ! ” رفعت كتفيها على امل الا يُظهر مظهرها الاشعث وعينيها المتورمه الكثير من المعلومات الشخصية عنها !
تأخرت اليوم لساعاتٍ اكثر فقط لتتهرب من ذلك الفراغ في المنزل ولم تتجرأ حتى لزيارة امها المريضة بالسرطان في المشفى !
جرعاتها كانت تزداد وفي كل مرة تخرج فيها من ذلك الجناح في المشفى .. تشعر بجزءٍ صغيرٍ منها يحتضر معها ..
اخبرتها انها ستكون مشغولةً اليوم ولكن الحقيقة كانت انها كانت تحتاج لإستراحة قصيرة من تلك الاحاسيس المتراكمه ..
خططت لتذهب لمكانٍ ما … أيُ مكان ولكن وبطريقةٍ ما بدا الامر اكثر آماناً بأن تدفن نفسها خلف الحاسوب وهي تسحب الاغاني نحو قائمة التشغيل على ان تقابل اصدقائها ! “شهر ؟ اسبوعان ؟ يجبُ ان تكوني مستعده ! ” لا زال قلبها يلسعها حتى الآن عندما تتذكر كلمات الطبيب هذه !
“أتعلمين .. الأمر ليس سيئاً جداً ! ” أنه يتحدث معها مجدداً ..
” القلق .. لن يضيفُ الدقائق لحياتنا ! ” للحظة تساءلت عما يشيرُ إليه !
حدقت به بتأمل ليبتسم هو .. ابتسامةً بريئة .
ابتسمت له هي ايضاً ..
” وأنت ؟!”
“أنا بلا مأوى !”
قالها ببساطة كما لو انه يتحدثُ عن شئ عاديٍ جداً كالطقس او كلب او قطة او اي شئ تافه !
بحثت في وجهه عن اي تعبيرات اخرى ولكن .. لا يوجد اي شئ !
” آوه ..” لم تكن متأكده عن كيف تكمل بالضبط لربما كان ضحيةً جديدةً للظروف !
لأنه ومن طريقةِ لبسه و تصرفاته لا يبدو بائساً ابداً !
“انا ابحثُ عن مكانٍ ما لأبقى فيه !”
نبرته كانت ايجابيةً ومشعه كما لو انه يعلم الى اين سيذهب بالفعل ..
“اذاً .. هل وجدت واحداً ؟! ” سألته بجديةً اكثر من القلق .
” لا .”
“آوه “
“إن لم اجد مكاناً لأبقى فيه قد انامُ هنا الليلة ! “
حدق بالسماء بتمعن وهو يقضمُ ذلك المخروط مصدراً صوت مضغٍ خفيف .. ” آملُ بأن لا تمطر !”
لربما تصرفاته الطفولية كانت السبب في محو إمكانية كونه مجرد قاتلٍ مجنون يجولُ الشوارع بحثاً عن ضحيته الجديدة
او الطريقة التي يتحدث بها كما لو انه يعرف كيف يتحكم بالغد!
أو لربما كانت الوحدة التي كانت تأكل روحها في آخر سبعة اشهر..
او ربما بسبب هذا الهناءِ الغير مألوف الذي تشعر به اليوم بسبب الراحة المؤقته من السيرِ المخيف في تلك المشفى ..
او اعتقادها بأن الغرفة الأضافيه في المنزل قد تُفيد بما ان والدتها لن تعود للمنزل قريباً او ربما نهائياً !
تلك الافكار هزت احاسيسها ليتقطع صوتها بهدوء ويتحول على الأغلب للهمس وهي تقول …
هل تريدُ أن … تأتي لمنزلي ؟!”
Like this story? Give it an Upvote!
Thank you!

Comments

You must be logged in to comment
manoorah #1
Chapter 1: فايتنغ اوني ، الترجمة جميلة واختيارك للقصة حلو. شكرا على الترجمة