كُلُ شيءٍ من حولنا يطعنُ فينا

عاجزٌ عن مساعدتكَ أو إشفائك

الفصلُ الرابع: كلُ شيءٍ مِن حولنا يطعنُ فينا.

 

" ما الخطب؟"

...

" جيمين؟"

...

" بارك؟"

...

" يا! بارك جيمين!" صرخَ تايهيونغ.

صفعني بقوةٍ على ذراعي فترنحتُ للخلفِ بخفةٍ قبل أن يمسك بيدي فأعبسُ له.

الناسُ اللذين كانوا يسيرون من حولنا أرسلوا لنا نظراتٍ غريبة ولكنني تجاهلتهم وسحبتُ يدي من قبضته.

" لماذا ضربتني بهذه القوة؟!"

" لم تكن تعير لي أي انتباه! كنتُ أحاول أن أسألك عن شيءٍ ما." أدارَ عينيه.

الشوارعُ كانت مزدحمةً كلياً في سوقِ نامدامون، بالناسِ يحملون أكياساً من المشتريات، والفتيات يعانقنّ أذرع أحبائهن، والنساء يمشين مع أطفالهنّ وقد عم البرد الطقس.

الأصواتُ عاليةٌ جداً في كلِ مكان، مِن أصواتِ القدورِ والمقالي إلى أصوات القلي والطبخ وأصواتُ ثرثرة الناس. كان الناسُ متفرقون في كل مكان.

" أهناكَ ما يؤرقُك؟"

تجاهلتهُ وعوضاً أشرتُ ناحية كشك طعام يبيعُ الهوتوك والمشويات في عصيان الشوي.

لقد كان ينبحُ طوالَ اليوم عن رغبتهِ في تناولِ البعض منذُ أنه جرني معه من منزلي لأذهب معه.

لمعت عينا تايهيونغ وقد نسي تماماً ما كان يريدُ قوله وبدلاً عن ذلك أسرع ليصطف في الصف مخرجاً بعض المال من جيبه ممسكاً به بيده.

طلب طبقان مع أن كليهما له وبقي ممسكاً بالهوتوك بيده وكأنه جوهرةٌ ثمينة طوال سيرهِ في السوق.

الناسُ كانوا يفتحون متاجرهم، رجلٌ يرفعُ بوابة المغسلة وامرأةٌ ترتبُ الأشياء على طاولات العرض للمتجر وآخرون يضعون العارضات خارجاً وقد ألبسوهن ملابس الموسم.

أحدهم كان يعزفُ في منتصفِ الضجيج وقد احتشد الناس حوله ليستمعوا للفرقةِ الهاوية، واحدٌ منهم كان يقرعُ على الطبول بينما اثنان آخران يعزفانِ بالقيثارة وآخرٌ يعزفُ الهارمونيكا.

الموسيقى كانت ناعمةً وتتدفقُ مع صوتِ الرياح بينما الجميعُ يتمايلُ ويصفقُ مع اللحن والإيقاع.

بعضهم كانوا يلعبون ألعاباً مختلفة، كرة السلة، أو ضرب مجموعة كؤوس زجاجية وبعضُ الألعابِ الأخرى البسيطة كي تكسب الجوائز المرصوصة على الرفوفِ.

مجموعةٌ من طلابِ الإعدادية كان يركضون وهم يتضاحكون وبيدِ أطولهم مسدس ضخم.

ابتسم تايهيونغ وسحبني لنجلس على إحدى الطاولاتِ في الجانب.

فتح العلبة الأولى من الهوتوك ومضغَ البعضَ لثانيةٍ قبل أن يرفع عيناه ويقابل عينيّ وهو يعطيني تلك النظرة التي تعني على الأرجح أنه يجبُ عليّ أن أبدأ بالتحدث.

" جدياً، لا يوجدُ شيء." تنهدتُ.

" لم تخرج من منزلك من أيامٍ وقد كنت تتجاهلني مؤخراً! تتجاهلني أنا!" أشارَ لنفسه.

" توقف عن التباهي بنفسك." شخرتُ.

عبس وقضمَ قطعةً من الهوتوك الخاص به قبل أن يحدق في المفرش البلاستيكي على الطاولة ثم يعيد النظر لي.

" ألا تثقُ بي؟" قالَ بصوتٍ منخفض.

أحاديثُ الآخرين في كلِ هذه الطاولات الكثيرة خلقَت همهمةً لطيفةً في الخلفية مع صوتِ أزيز الألعاب الالكترونية وصوت فرقعةِ الزيت في المقالي.

أشحتُ نظري لامرأةٍ ظهرت فجأةً لتجلس مع حبيبها وهما يتشاركان صحن توكبوكي ويتضاحكان على شيءٍ ما بحماس بينما يداها تتحرك في كل الاتجاهات مع حديثها وعيناها تلمعان.

عندما شعرت بزوجٍ من الأعينِ عليها، أشحتُ بنظري عنها قبل أن تتصل نظراتنا وأعدتُ نظري لتايهيونغ الذي كان قد توقف عن الأكل.

" والديّ دبرا لي زواجاً مدبراً.."

توسعت عيناه كثيراً جداً حتى أصبحَ شكلهُ مضحكاً ثم التوى فمه كما يفعلُ دائماً حينما يسمعُ شيئاً لا يعجبه.. شيئاً يكرهه.

" أنت جاد؟ هل أنت حقاً.. جديٌ الآن؟!!"

" اسمها هو إن سون.." أومأتُ برأسي.

فقط قولُ اسمها يبدو غريباً ومزعجاً على شفتايّ.. كان يذكرني بحديثِ والدي الذي لا يزالُ عالقاً أمام أعيني.

" قابلتُ والديها. كانا قد جاءا فجأةً بشكلٍ غير متوقعٍ - لي فقط - وفقط رموا بالقنبلةِ أمامي عن رغبتهم بتزويجنا، وذهابنا لنفسِ الجامعات وكل هذا الحديث."

فمُ تايهيونغ كان مفتوحاً بصدمةٍ الآن وهو يحدقُ بي بتكذيبٍ قبل أن يهز رأسه بسرعةٍ.

" تباً لهذا! ما هذا الجحيم!" ضرب بقبضتيه على الطاولةِ بقوة هازاً علب التوابل الصغيرة عليها وجاعلاً الناس يحدقون بنا.

" لن تدعم يفعلون هذا بك، صحيح؟! أنت لا تعرفها حتى!"

" وما الذي يفترضُ بي فعله؟ إنهما يجبرانني وأنتَ تعلمُ ما يعنيه هذا.. لا يمكنني قولُ شيءٍ حيال هذا."

" هذه.. وقاحة! مَن يتزوجُ زواجاً مدبراً هذه الأيام؟! ذوي عقولِ عصورِ ما قبل التاريخ كانوا يفعلون هذا!"

طأطأتُ رأسي فأخذ تايهيونغ بقية الطعام ورماه فوراً في القمامة ثم عاد ليجلس بانزعاجٍ وهو يتأفف.

" لماذا لا تنتقلُ من هذا المنزلِ فقط؟ يمكنك البقاءُ معي وأنت تعلمُ أن والدي يراك خصيصاً كابنه أيضاً! إن طرداك فعلى الأقل لديكَ مكانٌ تمكثُ في-"

" لا أريدُ إقحامكَ في هذا تايهيونغ."

" أنت لا تقحمني في شيءٍ جيمين، أنا أحاولُ مساعدتك هنا. أنت في السابعة عشر، في السابعة عشر جيمين! لا زلت صغيراً جداً لتستقر وتبني عائلة! ثم أنت لا تعرفها، ماذا لو كانت عاهرة؟!"

السيدةُ التي كانت تسيرُ بمحاذاةِ طاولتنا حدقت بنا بازدراءٍ.

" أنا فقط احتاجُ للتحدثِ معهما أكثر. احتاجُ للتحدثِ مع والدتي وربما أرى لو بإمكاني تغييرُ رأيها."

" أشكُ في هذا.." تمتمَ.

" لا تضرُ المحاولة."

"كان هذا ما كنت تفعله في فترة قضائك وقتك في المنزل هذه؟ تحاولُ إقناعهم بتغيير رأيهم؟ " قاطع ذراعيه على صدره.

كانت كلماته ثقيلةً على صدري فشددتُ السترة حولي عندما اشتدت الرياح.

" سوف يجبرانك على تقبلِ هذه العلاقة كي تصبحَ تعيساً كما هو زواجهما تعيسٌ.. "

 

---

( بعد أسبوع )

جيمين لم يأتي اليوم للمدرسة وكنتُ أعلمُ أنه بسببِ موعدِ الغد اللعين.

بالأمسِ بقي يتحدثُ معي إلى الساعةِ الثالثةِ فجراً عن مدى انزعاجه وغضبهِ حتى ما انتهى به الأمر نائماً ولم أعد أستطيع سماع شيءٍ سوى أنفاسه من الخطِ الآخر.

شعرتُ بالسوءِ الشديد لدرجةِ أنني لم استطع إغلاق المكالمة، وبقيتُ استمعُ إلى صوت أنفاسه المنتظمة، لم أنم بتاتاً ولهذا يمكنني تفسيرُ الحالةِ التي أمرُ بها الآن.

تثاءبتُ في يدي بينما الأستاذ كيم سونغ ساي استمر بالتحدثِ عن الاقتصاد في كوريا مشيراً للصادراتِ والكترونيات المستهلك والمنتجات لنهاية الحصة.

الوحيدُ الذي كان يعطي انتباهاً تاماً للأستاذ ويسجلُ كل ما يقوله كلمةً بكلمة كان سيونغ كوان الذي كانَ يجلسُ في الأمام يخربشُ كلما تحدث الأستاذ.

وون شيك كان يشغلُ نفسهُ بالعبثِ بأذنِ هاكيون مستخدماً القلم بينما الآخرُ كان مشغولاً بالدردشةِ على هاتفه.

حدقتُ بدفتري الذي كان نصف مملوءٍ و استندتُ على ذراعي وحاولتُ كتابة بعضٍ مما على اللوح ولكن تفكيري كان يهيمُ بسهولةٍ بالتفكيرِ فيما يفعلهُ جيمين الآن.

عندما راسلته مبكراً في وقت الغداء، قال لي أنه سيستمرُ بمحادثةِ والديه وإن لم ينجح الأمر سيغلقُ على نفسه في غرفته طوال اليوم مما جعلني أديرُ عينيّ.

أتمنى فقط لو بإمكاني فعلُ المزيدِ له..

" وهذا ما سنكتفي به اليوم. أريدُ منكم العودة لمنازلكم الليلة وكتابة خطةٍ مالية إدارية فيها كل ما ناقشناه اليوم. هذا كل شيء."

" حسناً.." قال الفصلُ بصوتٍ واحد.

بينما التقط أشياءه ليخرج ممسكاً بحقيبته بابتسامةٍ صغيرة، تدريجياً بدأ الجميع بالنهوضِ من مقاعدهم والتحدث مذُ أن هذه كانت الحصة الأخيرة.

بعثرتُ شعري وتثاءبتُ عندما أمسكني أحدهم فجأةً وأدراني.

رفعتُ نظري لأرى جون هونغ الطويل يبتسمُ لي.

" ماذا تريد؟" عبستُ.

" هيونغ! لا تكن هكذا!" جلسَ أمامي.

" أين جيمين؟ "

" في منزله، مريض." كذبتُ.

أومأ الشابُ العملاقُ وشعره الوردي يتنططُ بخفةٍ على جبهته ثم أخذ يحركُ ساقيه من جانبٍ لجانبٍ بينما يطرقُ بأنامله على الكرسي.

" تريدُ الذهاب لصالةِ الألعاب بعد المدرسة؟ ليس لدي تدريبٌ اليوم."

" ألم ندخل في متاعبٍ المرة السابقة التي ذهبنا بها؟"

قبل بضعِ أسابيع عندما طلب مني جون هونغ أنا وجيمين الذهاب معه لصالة الألعاب، كان قد تشبث بإحدى الآلات والصفُ وراءهُ ينتظر ورفض أن يخرج إلا وقد فاز في اللعبة والذي سبب بطردنا من المكان ومنعنا من العودة.

مِن المحرجِ قولُ المقطع الأخير، خاصةً عندما دخلَ في جدالٍ مع أحدِ الفتيان اللذين كانوا ينتظرون خلفه.

" لن نذهب لنفس المكان السابق!" هتفَ لاكماً ذراعي بخفة.

" بأي مدى من الغباءِ تظنني ؟!"

رميتُ له نظرةً ثم قهقهتُ.

" إذاً تريدُ الذهاب؟"

" لا أعلم، سأرى."

" تايهيونغ-"

" أجل أجل، أخبرتك أنني سأرى. يجبُ عليّ سؤالُ والدي أولا."

" جون هونغ!"تفجرَ صوتٌ غليظٌ في الصف.

بعضُ الطلاب رفعوا رؤوسهم للبابِ ليجدوا يونقوك، الطالبُ الأكبر منا الذي قد رسِبَ مرتان، يشقُ طريقه ناحية مؤخرة الصف قافزاً على الطاولة وهو يحرك قدميه مرسلاً لي ابتسامةً صادقة.

لا يعلمُ أحدٌ لماذا لا يغيرُ يونقوك مدرسةً أو يغير المعلمين، ولكنه لا يبدو محرجاً من رسوبه لذا لم يقل أحدٌ شيئاً.

إضافةً إلى ذلك، هيئته الضخمةُ ستجعلُك تسألُ نفسك قبل التحدث معه في أي شيء.

" هل يجبُ أن تكون مزعجاً هكذا؟ " عبست بيك هي دافعةً شعرها الطويل على كتفها.

عبس لها يونقوك وضحكَ جون هونغ عندما رمت له سويونغ كرةً ورقية.

" يا! لا تضحك!"

" ليس لكِ أمرٌ عليّ."

رفعت سويونغ قبضتها كما لو أنها ستضربه فأغلقتُ فمي كي لا أنفجر ضاحكاً عندما جفلَ جون هونغ بخوفٍ على مقعده.

---

مِن تايهيونغ : لا شيء بعد؟

مِن جيمين : كلا. والدتي تريدُ أخذي لنشتري بذلة جديدة للغد لذا سأحاولُ مجدداً..

 

ترددت أناملي على لوحة المفاتيح قبل أن أجيب، وعندما كتبتُ أخيراً الرسالة، ترددتُ في هل أرسلها أم لا.

مِن تايهيونغ: هل أكلت؟..

 

أبوابُ المترو فُتحت وبينما أصعدُ بين الزحام ذاك، بدأ الجميع يتسابقون ليجدوا مقعداً أو يقفوا أمام البوابات، بينما أمسكت أنا بالمقبض أعلى رأسي مبتسماً لطفلةٍ صغيرةٍ جالسةٍ على فخذِ والدتها.

هاتفي لم يهتز لبقية الطريق وعميقاً في داخلي، لم أكن متأكداً إن كنت قد قلتُ الكثير أم مُجدداً قلتُ ما ليس كافياً..

عندما سمعتُ صوت موقفي عند الجامعة ، خلع رجلٌ ما سماعاتِ أذنيه ووقفَ متجهاً نحو الباب بينما امرأةٌ مسنةٌ بمساعدةٍ من ولدها تحركت نحو الأمام حتى خرج الجميع.

كان هناك طلابٌ في كلِ مكان، بعضهم أفترضُ أنهم ذاهبون لمحاضراتهم وآخرون ذاهبون لمساكنهم.

عبرتُ بين مجموعةٍ من الرجالِ يشاهدون قطعةً جديدةٍ ظاهرةٍ من خلفِ إحدى نوافذ المتاجر شاقاً طريقي نحو المنتزه قبل أن أنعطف نحو شارعٍ مألوف.

المتجر في نهاية الانعطاف التالي يبيعُ حليباً بالموز بسعرٍ رخيص.

دفعتُ للسيدة سريعاً ومدت لي الحليب بابتسامةٍ.

مشيتُ أطول كثيراً في الطريق وبينما كنتُ أرشفُ البعض من الحليب عبر القشة، اصطدمتُ بظهرِ احدهم باسقاً الحليب على الأرض بينما الشخصُ الآخر استدار بسرعة.

" أسف! أ- أنا أسف، كنتُ-" قلتُ نازلاً لالتقط أشيائي التي سقطت مني.

" لا بأس، فقط شاهد طريقك في المرة القادمة."

ارتددتُ للخلفِ وتوسعت عينيّ بصدمة عندما التقت بأعينِ مون هي الذي كان يتحدثُ معي للتو.

لم يكن يرتدي زي المدرسة، وأخذَ منه الأمر ثانيةً ربما ليدرك هويتي ولكن عندما فعل، ابتسامةٌ ساخرة جعلت أطراف شفتيه ترتفعان وشعرتُ بقلبي يسقط بين أحشائي.

حاولتُ التحرك للهرب ولكنه أمسكني من أعلى ذراعاي قبل أن يكون باستطاعتي فعلُ شيء وصدمَ ظهري بقوةٍ على الحائط فشعرتُ برأسي يرتطمُ بحجارةِ الجدار.

" أرجوك، أرجوك..- تلعثمتُ.

" أرجوكَ لا تؤذني!"

حاولتُ الخلاص منه وقتاله بقدرِ استطاعتي ولكنه قبضته علي كانت قويةً جداً لدرجةِ أنني شعرتُ بإحساس ألمِ جروحي يعودُ من جديد.

بقيَّ يضحكُ فقط ويهزُ برأسه كالمجنون قبل أن ينزلَ نظره لي.

" أوه، أحدهم خائفٌ هاه؟ خائف؟!" صرخَ في وجهي.

جفلتُ للخلفِ وبالكادِ كلماتي غادرت شفتيّ بدون صوت و ضحكَ مون هي أكثر وهز رأسه قبل أن يسحب قبضته ليلكمني بينما أنا أخذتُ أجهز نفسي عقلياً لأني أعلمُ أن هذه اللكمة ستؤلمني - ستؤلمني بشدة.

" نعم، توسل إليّ."

حلقت يداه عالياً وقبل أن أشعر بجانبِ وجهي يتبعثر، سمعتُ صرخةً عاليةً وصوت زجاجٍ يتحطم.

فتحتُ عينيّ وترنحتُ للخلفِ بصدمةٍ عندما رأيتُ مون هي.. على الأرض.

كان يغطي جانب وجهه الأيسر وأذنه كانت تنزف بينما يتلوى على الأرض ويصرخُ بتألمٍ.

" تباً!"

فتاةٌ ما، على الأرجحِ فتاةٌ جامعية، أدارت عينيها وبترددٍ تقدمت نحوي قبل أن تساعدني وتنظر لوجهي مبتسمةً ابتسامةً صغيرة.

"إنها فقط مزهرية ورد، سيكون بخير. اذهب من هنا."

كنتُ بالكاد افهمُ ما يحدث لي لذا استمررتُ بالتحديقِ بها بينما اختطفُ نظرةً لمون هي الملقي على الأرض قبل أن تدفعني الفتاة.

" اذهب! اذهب إلى حيثُ تريد. لن يؤذيك! أسرِع!"

" شكراً.. شكراً جزيلاً لكِ." انحنيتُ لها سريعاً واستدرتُ على رجليّ قبل أن أركض مبتعداً نحو المستودع على بعد بعضِ انعطافات.

لم أتوقف عن الركض حتى رأيت المبنى أمامي وقد شعرتُ برئتيّ تشتعلان وقدميّ تؤلمانني ولكنني استمررتُ بالضغطِ على أسناني حتى ما دفعتُ الباب بقوةٍ راكضاً نحو الغرفة في نهاية الصالة.

فُتِح الباب محدثاً ضجيجاً مفجعاً لبقية الناس بالداخل، فانهرتُ على الأرض عندما قفزُ أحدهم مسرعاً إليّ.

" تايهيونغ! يا الهي! أنت بخير؟!"

" أرجوك.. أرجوك ساعدني!" قلتُ بسرعةٍ.

" أرجوك لا تجعله يمسك بي!"

بكيتُ.. بكيتُ بدونِ شعورٍ مني، بكيتُ بشدة.. أردتُ أن أشعرَ بالاطمئنان.

دفعني السيد أوه بين يديه وبقيتُ أنا أبكي متشبثاً بقميصه وهو يربتُ على ظهري محاولاً تهدئتي شاداً على ذراعاي.

" لا أحد سيصلُ إليك هنا في وجودنا تايهيونغ.. ما الخطب؟ فقط اهدأ.."

وقفَ الطلاب من مقاعدهم وتركوا ما كانوا يفعلونه ليحدقوا بي باستغرابٍ بينما البعضُ الآخر نهضَ وأخذ يربتُ عليّ.

كنتُ بالكادِ أرى عبر دموعي تلك، كنتُ فقط أعلمُ أن السيد أوه كان مشوشاً جداً وقلقاً في نفس الوقت.

أمسكتُ بقميصهِ بقوةٍ أكثر وبذراعي الأخرى شددتُ قبضتي حول عنقهِ.

" لا تدعه يحصل عليّ." شهقتُ.. " أرجوك لا تمكنهُ مني أرجوك.. أنا أرجوك."

فجأةً، اشتد بكائي وانقطعت أنفاسي لدرجةِ أنني بدأت ألهثُ بحثاً عن نفسٍ أتنفسه.

أبعدني السيد أوه عن صدره ليمسح دموعي ويربت على صدري بينما ركضت إحدى الفتيات لتحضر ماءاً.

" لن أسمح لأحدٍ بأن يلمسك تايهيونغ، حسناً؟ اهدأ! انظر.. كل أصدقائك هنا وأنا هنا أيضاً! أنت في أمان.."

أمسك بوجهي بين يديه وحدق بعينيّ وأتبع : فقط استرح، توقف عن البكاء! اتفقنا؟ أنت بخير! انظر لنفسك لست متأذياً."

ارتجفت شفتيّ وانتقلت نظراتي منه نحو بقية الغرفة قبل أن أبدأ بتهدئة نفسي والإيماء له.

" ح.. حسناً.."

" اتفقنا؟"

أومأتُ برأسي وابتسم هو بدفء لي قبل أن يعانقني بقوةٍ أكثر وهو يربتُ على رأسي.

" أنت بخير.. أنت بخيرٍ تايهيونغ.."

***

 

Like this story? Give it an Upvote!
Thank you!

Comments

You must be logged in to comment
No comments yet