01

~ رواية : مَعْزُوفَةُ الشَّيَآطِينْ

الفصل الأول – الإدراك .

 

 

عندما إستيقظَت تسائلت .. أين هي ؟

و ما الذي يحدث لها ؟

الأجواء حولها جعلتها تشعر و كأنها ماتت !!

إلى أن سمعت :” نبضها يزداد و ضغطها ينخفض “

” أحضر جهاز مزيل الرّجفان حالاً “

صرخت :” ماذا أنا حيّه !!” فكرة صعقها بذلك الجهاز و هي حيّه أكثر من مخيفه .

صرخت مجدداً , لكن .. لا رد .

همست بخوف و وجنتيها قد أخذت كفايتها من البلل :” أن أتنفس ! قلبي ينبض ! أنا حيّه “

تمنت أن يكون هذا حلماً , و أن يوقظها أحد الآن .

لكن للأسف .. هذا ليس حلماً مطلقاً , لربما واقع مرّ بدأت هيري عيشه لوحدها

جلست , و هي بالفعل فكّرت في أنها قد تحركت , كل ما تريده هو تفسير لما يحدث .

تحرّكت أكثر لتقف , و بين هلع الأطباء و الممرضين تمكنت من الوقوف , لكن أحداً لم يعر أمر وقوفها بالاً

جميعهم لم يزحزحوا أعينهم عن سرير المستشفى , و كأنها لازالت جثّة هامدةً هناك .

أمسكت بكتف أحدهم بقوّه بينما همست :” أنا حيّه , أنا لم أمت “

لكن صوتها لم يصل , لم يسمعها و لم يحرّك ساكناً .

مشت بين مجموعة الأشخاص أمامها تحدّثهم جميعاً على أمل أن يستمع لها أحدهم .

لكن لا حياة لمن تنادي , و لم يرمش أحدهم أو يحرّك طرفه لها , و كأنها غير موجوده أو كأنها دمجت مع العدم .

للحظه إستدارت للتتجمد و يتوقف كل شيء بالنّسبة لها , حتى التنفس .

و خدّيها رُطِّبا أكثر , إثر الدموع .. دموعِ الخوف !

الرجفه سرت في جسدها جمِيعِه أو لنقل في روحها بأكملها .

بينما جسدها لازال ملقاّ على السّرير .

فكّرت هيري وسط سيل من الكلمات يغزو فكرها :* هل هذه أنا ؟ لماذا أنا نائمه هـ-هناك ؟ *

ما لم تدركه هيري أن روحها غادرت جسدها , لكن .. ليس إلى الأبد .

فتره محدوده , وربما كان هذا عقاباً لها .

دقائق أخرى تجمّدت فيها هيري , و الأطباء إبتعدوا عن جسدها .

جسدها عاد إلى الوضع الطبيعي , الوضع الذي يسمّى بالغيبوبه !!

لوهله .. هيري تذكّرت

 

صوت فرامل سياره , اصطدام عنيف , دماء , تجمهر , سيارات اسعاف , غرفة الطوارئ .

 

هيري أصيبت بحادث سير و تم نقلها للمستشفى لقسم الطوارئ إثر ذلك !نظرت إلى نفسها في مرآة آخر الغرفه , لكنها لم تظهر .. هل الأرواح تظهر على المرآة بعد كلِّ شيء ؟

إعتقدت أنها شبح .. لكنها ليست كذلك !! يمكن القول بأنها شبح مؤقت .

و بعد فتره ستعود للجسد الّذي تركته … الآن كلّ ما تحتاجه هو تفسير يشرح كل هذا .

جلست على السّرير بجانب جسدها بعد مغادرة الأطباء !!

حرّكت يدها على وجهها و إستطاعت لمسه ؛ أحسّت به !

ليست مثل باقي الأشباح لأن يدها لم تخترق جسدها .. إذا هي ظاهره أخرى !

ليست شبحا ~

 

 

-

 

فتحت عينيها ببطئ , إستوعبت بأنها كانت نائمه بجانب جسدها !

كل ما تحتاجه هو شخص يشرح لها كل شيء و عن السّبب الذي يجعل روحها منفّصلِةَ عن جسدها ~

دخل شخص ما إلى الغرفه .. بشعر اسود الحزن ,  يترامى بين تفاصيل شبح الحزن .

فكّرت هيري :* أنا لا أعرفه !*

هي لم يسبق لها مقابلته قبل الحادث أو على الأرجح لم تتعرف عليه !

الفتى تحدّث , يجعل هيري تجفل بسبب صوته :” بارك هيري ….”

نبرة صوته .. كانت مألوفه بحقّ !

الفتى همس :” أنا آسف “

صوته يرتجف , و يداه ترتعشان !

هيري نفت تفكيرها داخليا و هزّت رأسها !

و كل ما شعرت به هو الندم … مختلط مع شيء من الخوف !

الخوف من اللا شيء و الخوف من كلِّ شيء .

” أنت جرحتني كثيراً .. لكنني لم أستطع إخراجكِ .. أنت فقط تـسـ…”

الغصّه وقفت في منتصف حلقه تمنعه من الإبتلاع , الحديث , و التنفس .

تمنعه من الحديث و الإفصاح إلى الجسد المهمل على السّرير .. ما لم يدركه و لم يدركه أي شخص آخر … أن الروح كانت تنظر و تنتظر .

هي تحتاج بضع كلمات تهدِّئ صدمتها .. الذعر من إنفصال جسدها عن روحها لازال يحطّمها ~

لكن .. ليس بقدر رؤيتها إلى ذلك الشّخص !

هل تستطيع فعل شيء له ؟ غير الشّعور بالندم و الندم و المزيد من الندم ؟

قطعا لا !!

الفتى أكمل .. محاولاً منع شهقاته من الهروب . صعب عليه إحتماله :” هيري , أنتِ جرحتني كثيرا , لكنني لم أستطع إخراجك من قلبي , إنتِ تسكنيني و تستوطنني . متى ستسيقظين ؟ شعرت بالخوف عندما علمت بإضطراب نبضات قلبك .. حتى و إن كنتِ تكرهينني أنا سأكون سعيدا برويتك فقط .. ثلاث أسابيع مدّة طويله لأتحملها .. كوني قويّه !!”

والدة هيري لم تكن تهتم بها , وهيري شعرت بذلك الشّعور الذي يمزقها من الدّاخل .

لو كان شخصاً آخر لتغيّرت مشاعره .. لكان تخطى تلك الفتاة التي جرحته .

الألم الذي جعلته يعاني منه لم يكن بالسّهل . لكن الفتى أمامها لم يتغيّر و لا حتّى بمقدار بسيط !

هيري فكّرت :* هذا يمزقني *

تسائلت .. لماذا لازال متشبّثا بها !

لماذا يبكي ؟ و لماذا يؤذي نفسه ؟

لماذا يؤذيها بمشاعر النّدم التي تجتاحها عند رؤيته ؟

” لا أمانع إن تجاهلتِني أو سخرتي منّي , فقط إستيقظي ! سأراقبك من بعيد .. سأكون سعيداً فقط برؤيتك”

عيناه إنتفختا و إصطبغتا باللون الأحمر . شفاهه فعلت المثل .. حالته مزريه !

إقتربت هيري منه بأطرافِ مرتجفه , لمست خدّه ببطء لكنه لم يبدي أيّ حركه .

من سيشعر بروحِ على أي حال ؟

مسحت دموعه .. و كانت هنا المفاجأه !! تمردت شهقه خفيفه و خرجت من شفتي هيري الذابلتين .؟

دموعه إبتعدت .. هي إستطاعت مسح دموعه , لكنه لم يشعر .

هل هذا هو الفرق ؟ لو كانت شبحا للإخترقت جسده دون أن يشعر بها !

لكنها ليست كذلك .. ليس شبحاً أبدا !

مسحت دموعه التي إستمرت بالتزاحم لتسلك طريقها عبر خدّيه ~

مسحتها إلى أن إنتهت وجفّت ~

الممرضّه دخلت إلى الغرفه .. تقطع لحظة هيري في تأمل عيني الفتى بالشّعر الأسود .

” سيدي ؟ هل إنتهيت من الإطمئنان عليه ؟ الوقت متأخر ! ” جفل عندما سمع صوتها .

مسح على عينيه و وقف ليغادر . :” حسناً سآغادر ..”

إلتف إلى جسد هيري و إقترب , قبّل جبينها بلطف ثم همس ” سآتي في الغدّ هيري “

قلب هيري صرخ : لا تغادر !

بينما هي تبعت عقلها و تجاهلت الصّوت القادم من أعماقها , لكنها أقرّت ” أنا أشعر بالوحده “

هيري بكت , و إنتحبت قليلا . لا احد سيسمعها و هذا هو الجزء المؤلم .

الفتى تحدّث إلى الممرضه بصوت مرتجف نوعاً ما .

 “ اتصلي بي أن حدث اي شيء أو كانت هناك اي علامه على استيقاظها .”

” سأفعل ” الممرضه ردّت هعليه ثمّ أردفت بصوت مشبع بالفضول :” آه سيدي لدي سؤال .. ان لم تكن تمانع ؟”

ردّ عليه بصوت هادئ جداً مع أنه كان يتمزّق داخلياً :” تفضّلي “

“ تفضلي ” نبرته حنونه جدا وهادئه .

” لم أكن أنوي التدخل في خصوصياتك و لكن فضولي طغى على مبادئي .. “

” أوه لابأس ..! ”

” ما علاقتك بها ؟ هل أنت أحد أقاربها؟ أم حبيبها ؟” الممرضه تورّدت قليلا ثم أكملت ” … أنت لازلت صغيراً لكنك تدفع فواتير المستشفى بينما لم يسبق لي أن رأيت والدها أو والدتها ”

هيري صدمت من حقيقة أن هذا الفتى يدفع فواتير المستشفى .

هي حتّى لا تعرف إسمه !!!

و هي مجددا شعرت بذلك الوخز في قلبها ~

ذلك الوخز الذي يخلق من النّدم .

هل هي حقّا تشعر به ؟ بذلك الشّعور الذي يسمّى بالنّدم ؟

قلبها يعتصر و ينقبض , وهي حقاً نادمه على ما فعلته بالفتى .

والدتها لم تزرها . بينما هو يأتي كل يوم إلى هذا المكان ~

ألا يستحقّ أن أشعر بهذا الشّعور المؤلم من أجله ؟

” آسفه ” هيري همست , مع أنها لا تعرف إسمه , و موقنةٌ من أنَّ صوتها لا يصله .

لكنها بالفعل تشعر بالأسف .. إلى حدّ الموت .

 “ لست من أقاربها و لست حبيبها .. أنا فقط شخص لا يعني لها شيئا ”

شخص لا يعني لها شيئا ؟…

تلك الكلمه ترددت داخل راس هيري . و هي تألمت و بشدّه .

قبضت على قميصها و الشّعور بالوخز لم يتوقف . بل عاد و بطريقةٍ مؤلمه .

كقطع الزّجاج التي تتحاشر من أجل تمزيق قلبها .

هي تتحطم و تتألم . هي همست :” لا تذهب أرجوك . أنا بحاجتك “

صوت صرخ داخلها , صرخ بشدّه و جعلها تبكي أكثر : ” لم أكن أعلم أنّكِ شيطان ؟”

عينها كادت تخرج من مكانها  الألم زاد عن حدّه .

همست لنفسها :” أجل أنا شيطان و أسوأ  ”

الألم خلّف معزوفة موسيقيه حزينه لا متناهيه .

و تلك الأصوات عادت للظهور لتخلق ذلك الإحساس المميت !

هيري إنتحبت :” هذا يكفي .. أريد أن أنام “

حاربّت من اجل النوم , لكن .. لا جدوى !!

بارك هيري .. إستيقظي .. هذا يكفي , هذا حلم .

تلك الأفكار كانت تجول حولها .

حاربت مجددا لعلها تصل على النوم الذي يغنيها عن هذا الألم لكن ؟ هيهات هيهات !!

ذلك الفتى غادر منذ فتره .

و هيري صرخت بالإعتذار مجددا .

أين كان ضميرها عندما حمّله جرحاً لم يكن يقدر عليه ؟

أين كان ضميرها في ذلك الحين ؟

لم تعطهِ فرصه ؟ سخرت منه و ضحِكت عليه .

آن الاوان لتتوقف عن خداع نفسها .

هيري شيطان .. شيطان وأسوأ .

لعنت نفسها مراراً و تكراراً .

لم تكن شخصا يشعر بالنّدم وهذا شعور جديد عليها من الألم !!

لم تكن تعلم أنّ ذلك الفتى هو الشّخص الوحيد الذي سيكون بجانبها بينما هي رفضته , حطمته و آلمته ؟

لازال ينظر إليها و لا زالت شخصا مهما عنده ؟

__

 

تويتر ؟

آسك ؟

 

 

Like this story? Give it an Upvote!
Thank you!

Comments

You must be logged in to comment
No comments yet