الأول

عندما توقفتْ


وجهة نظر ايون كيونغ :
صديق.. أول لقاءٍ لنا كان عبر صديقٍ مُشتركٍ بيننا .
كانت ليلةَ السبت عندما دفعت كل كتبي جانباً وفتحت حاسبي الذي كان في أحد أدراجي .
الساعةُ لا تزالُ الثامنة والنصفِ مساءً ولكنني بالفعلِ كُنتُ قد أخبرت أصدقائي بأن نلتقي خارجاً لنرى الملهى الجديد الذي فُتح في جونغ داي بعيداً عن المشاريعِ والإختبارات .
تأكدتُ من تفقدِ كل رسائلي وسجلتُ خروجي من حسابي قبل أن أطفئ حاسوبي وأنهض من على الكرسي وانا أجمعُ اشيائي .
ارتديتُ سترتي وحذائي ، أخذتُ القبعة من على سريري وارتديتها ، وضعتُ هاتفي في حقيبتي ومفاتيحي في جيبي قبل أن أشق طريقي أخيراً إلى الخارج وأنزل الدرج .
فتحتُ الباب الحديدي الخارجي وأغلقته بالرمزِ بعد خروجي لأرى عند استدارتي صديقاتي وهنّ يلوحنّ لي .
" أخذتي وقتاً طويلاً !" سخرت تشون هي وهي تضرب كتفي بخفة .
" اصمتي !" ابتسمتُ .
" أنا لستُ كبعضِ الناس .. إنني أهتمُ بمحصلتي المدرسية !"
دحرجت تشون هي عينيها بضيقٍ بينما جايون كانت تضحكُ خلسةً قبل أن تمسك بيدي وتجرني خلفها لنسير في الشارع .
طالباتٌ جامعياتٌ أخرياتٌ كنّ يسرن في الشارعِ بأحذيةٍ ذاتِ كعبٍ عالٍ وهن يمسكن بأيادي أحبائهن مع سحاباتٍ دخانيه ناتجة عن سجائرهنّ تلحقُ بهنّ .
كنا نستدلُ الطريق بأنوارِ المتاجرِ بينما تشون هي تتحدثُ عن رغبتها في وضعِ وشمٍ لها مع أنني أعلمُ بأنها لن تفعله . إنها خائفةٌ من والدتها وايضاً تفكرُ في المالِ كثيراً .
توقفنا أمام مبنى طوبي يملكُ سطحاً يطلُ على المدينةِ بأكملها .
بعد إخراجِ هوياتنا للحارس دخلنا للداخلِ. كان البعضُ يجلسُ على طولِ الطاولات والآخرُ يرقص أو يغني على المسرح أو في ساحةِ الرقص .
كان صغيراً ولكنه ايضاً كان مُكتظاً بالطلاب .

أخذتنا جايون وأجلستنا في طاولةٍ صغيرةٍ بعيدةٍ عن الأضواء لنجلس عليها بهدوء .
" مشروب ؟!" سألتنا جايون واومأت كلتانا .
خلعت سترتها ووضعتها على كرسيها ثم ذهبت للبار لتحضر لنا بعض المشروب .
" ليس سيئاً !" اضطرت تشون هي للصراخِ لجعلي أسمعها وهي تتمايلُ رويداً على كرسيها مع الموسيقى الصاخبة .

أومأتُ لها فقط وتركتُ أعيني  تجولُ في الملهى لتستقرانِ بعدها على شخصٍ مألوفٍ يستندُ على الحائط .
" أليس هذا نامجون ؟! "
" مَن ؟!" قالت تشون هي وهي تتبعُ نظري .
سحبتها بالقربِ مني وأشرتُ لها على الفتى الأشقرِ الذي يرتدي سترةً جلديةً سوداء وهو يرتشفُ البيرة بجانبِ الحائط .
قطبت حاجبيها وهي لا ترى شيئاً بوضوح حتى أنار وجهها بعدها فجأةً .
" أين ؟ يا! نامجون !" هتفت للفتى الذي صُعقَ للحظةٍ ثم سرعان ما ابتسم لنا وأتى نحونا .
" مرحباً يا رفاق ." كان يبدو منصدماً قليلاً لرؤيتنا هنا ولكنه مع ذلك ابتسم لنا وجلس بجانبنا .
" ما الذي تفعله هنا ؟ " رفعت حاجبيّ .
" يجبُ أن يكون أنا من يسألُ هذا !" ضيق عينيه لي .
دحرجت تشون هي بأعينها قبل أن نضحك جميعاً .

أتت جايون حاملةً معها البيرة لنا وهي تبتسمُ لنامجون الذي ابتسم لها، وبالرغمِ من الأضواءِ الخافتة إلا أنه كان واضحاً أنه يشعرُ بالخجلِ الآن .
" صديقي سيقدمُ عرضاً هنا الليلة ." قال لنا .
رفعتُ حاجبيّ بتساؤلٍ وقبل أن أملكَ الوقت لأسأله حتى كانت الأضواءُ قد خفتت كُلياً لتضئ غيرها في المسرح عند ظهور فتىً نحيفٍ يرتدي ملابساً سوداء كـلياً بعينيه اللامعة التي عُكست الاضواء عليها .
" هذا هو .. " أردف نامجون بسعادةٍ .
" اسمه هو شوقا .. "
ابتسم ذاك الأخرُ للجمهورِ مُظهراً لثته الحمراء واسنانه البيضاء قبل أن يأخذ الميكروفون ويقربه من فمه عندما بدأت الموسيقى .
مثيرٌ للأهتمام ..
~
استندتُ على الحائط بينما أنتظرُ خارجاً وحقيبتي مُعلقةٌ في كتفي وكتبي في يدي الاخرى بينما الناسُ يمرون من أمامي .

الطقسُ كان قد تغير كثيراً .. الثلجُ كان قد بدأ يتشبثُ بالنوافذِ ويسلتقي على الطرقاتِ أيضاً.
غمستُ رأسي أكثر في الوشاحُ الذي يحيطُ برقبتي  وأنا أنفثُ سحاباتِ هواءٍ باردٍ من فمي عندما سمعتُ صوتَ ضحكٍ فجأةً .
أدرتُ رأسي فرأيتُ صديقاتي يسرنّ نحوي .
ابتسمتْ لي جايون وهي تفركُ أنفها الذي كان أحمراً كُلياً .
" هل أنتِ مريضة ؟!"
" لا اعتقدُ ذلك . " سحبتنا جايون لداخلِ المقهى لنكمل محادثتنا الصغيرة .
" لا أرى سبباً منطقياً يجعلنا نتركُ الشقة الدافئة لنأتي كل هذا الطريق وندرس هنا!" قطبت تشون هي حاجبيها .
أخذنا طاولةً بجانب النافذة وجلسنا جميعاً عليها بعد وضع حقائبنا جانباً .
" مدفئة شقتي معطلة وهي في قيد الإصلاحِ الآن لذا شقتي الان عبارة عن صندوقٍ من الثلج "
" كان بإمكاننا أن نذهب لشققنا نحن !" اقترحت تشون هي ولكن جايون تذمرت لأن منازلهنّ بعيدة .
أتى النادلُ وطلبنا بعض الشوكولاته الساخنة ، كوكيز وبعض الكروسان .
بقينا نتحدث هناك بعشوائية عن الدراسةِ وعن أشياءٍ أخرى عندما رنّ جرس بابِ المقهى مُعلناً قدوم شخصٍ جديد .
لم اهتم بالأمرِ في بادئِ الأمر ولكنني تنهدتُ بخفةٍ عندما رأيت أحدهم يلوحُ لي .
" بجديةٍ نامجون ؟!" تذمرت جايون .
ابتسم لها نامجون بخجلٍ بينما لاحظتُ أنا أن ذاك الفتى من الملهى في المرةِ السابقة كان يقفُ بجانبه .
" ما هذه الصدفة ؟" قال نامجون وأنا سخرتُ منه بينما تشون هي دحرجت عينيها بتكذيب .
" اذهب واسأل جايون ، نحنُ نعرفُ بالفعلِ بأنك معجبٌ بها !"
لونٌ احمرٌ خافت طغى على وجنتيه بينما جايون حدقت للأسفلِ في الطاولة ونحنُ كلنا كنا نضحكُ عندما لاحظتُ ان ذاك الفتى كان يحدقُ بي مُباشرةً .
" سمعتُ بأنكم أتيتم في ذلك اليوم يا رفاق وصادف أن سمعتموني؟!" ابتسم لي مُتجاهلاً وجود البقيةِ بجانبي فأبتسمتُ له وصافحتُ يده التي امتدت لي .
" كنت جيداً !" رفعت تشون هي كتفيها وضحكنا نحنُ على تعليقها عندما جلس كلاهما بجانبنا .
" فقط جيد ؟! " قال مُحدقاً بي مما جعلني بخجلٍ أدسُ خصلاتي خلف أذني .
" لقد كان حقاً جيداً ، لقد استمعتُ به على الأقل ! "
ابتسم شوقا بتوسعٍ لي وهو يومئ بخجل مما جعل نامجون يرسلُ لكلينا نظراتٍ متسائلة .
" لقد جئنا هنا لندرس فقط .. " أجبتُ سؤال نامجون متأخراً .
~
رأينا شوقا ونامجون كثيراً من بعدِ ذلك اللقاء .. غالباً ما كانت فقط جلساتٍ للمذاكره أو ربما العشاء أو من الممكنِ ان نشاهد فيلماً أو نذهب للملهى لمشاهدةِ عروضِ شوقا في الملهى .
بذكرِ نامجون .. أنا متأكدةٌ بأن هناك شيئاً ما بين نامجون وجايون. لأنه وما دام أحدهما موجوداً فمن الضروري أن ترى الأخر موجوداً إلى جانبِ حقيقةِ أنهما واضحانِ جداً !
كان من الواضحِ أيضاً ان شوقا لم يعد مرتاحاً في البقاء بينهما كالعجلةِ الثالثة مما جعله يتحدثُ معي وتشون هي أكثر .
علمتُ بأنه من بوسان وأنه متخصصٌ في الهندسةِ الموسيقية .
بالإضافةِ لأنه يريدُ أن يفتح استديو خاصاً به أو يقدم لتجاربِ إحدى هذه الشركاتِ الترفيهيه ليكون مغنياً .
كان من اللطيفِ كثيراً أن أسمع حديثه لساعاتٍ عن الموسيقى. لقد كانت له كالشغف، وكان ومن الواضحِ جداً مدى رغبته في تطويرِ نفسه .
بعد خروجِ تشون هي من المكتبه بيأسٍ من المذاكرة، جلسنا أنا وشوقا بجانبِ بعضنا على الكرسي .
كان هو يرددُ كلماتٍ للرابِ مع نفسه وأنا كنتُ منغمسةً في كتابي عندما توقفَ فجأةً .
" يون كيونغ .. " ناداني بلطفٍ وهدوء .
رفعتُ رأسي عن كتابي بسببِ صوته ذاك وقطبتُ حاجبيّ عند رؤيته متوتراً .
" أجل ؟ هل هناكَ خطبٌ ما؟ " 
عض على شفته السفيلة مُظهراً أسنانه البيضاء وهو يستجمعُ كل شجاعته قبل أن يجيبني ويقول: " كنتُ فقط أتساءلُ إذا كنتِ .. تريدين الخروج لتناولِ شئٍ ما .. كلانا فقط ؟!"
شعرتُ بخجلٍ اجتاحني فجأةً فأخذتُ أحدقُ بفخذي وأنا اشعرُ بقلبي الذي بدأ يقومُ بأشياء غريبة .
حدقتُ به مجدداً وسألت بحرج " ك .. موعد ؟!"
" حسناً .. كنتُ أعني أنه -" توقف عن حديثه وتنهد مستسلماً وهو يومئ لي .
" نعم .. كموعد. "
ابتسمتُ لنفسي ببلاهةٍ ومِلتُ قليلاً نحوه كي أكتب رقمي على يده التي كانت مقبوضةً بقوة ثم قهقهت بخفةٍ عندما رأيته يقربُ كفه من عينيه بتفاجؤ .
"أتعطينني... رقم هاتفكِ الآن ؟!" قال منصدماً .
" نعم، كي تتصل بي وتخبرني عن التفاصيل !"
عندما ابتسمت له في تلك اللحظة كانت ابتسامته هو كما لو أنها تنافسُ ابتسامتي ..
ابتسامته ربما هي شئٌ .. لا أتعبُ من التحديقِ فيه !
الموعدُ أصبح اثنان والإثنان أصبحا خمسةً ثم أصبحوا شهراً كنا نرى فيه بعضنا دائماً .
سأكونُ كاذبةً لو قلتُ أنني لم استمتع معه، لأنني ولأكون صادقةً، كنتُ أكثر من سعيدةٍ في كل حياتي عندها ..
كُلُ موعدٍ سيكونُ في مكانٍ مختلفٍ عن سابقه .
لقد كنتُ عفويةً معه، وهذا ما جعلني أتمتعُ بوقتي معه أكثر ..
كان يأخذني إلى مطاعمٍ مخفيةٍ تبيعُ طعاماً لذيذاً ، ملاهي مذهلة أو أحياناً قد نأخذُ فقط جولةً بالسيارةِ حول المدينة أو نسيرُ في الشاطئِ بعد ذهاب الجميع ..
أحياناً عندما ننشغلُ كثيراً كان دائماً ما سيقومُ بمراسلتي ليتأكد من أنني بخيرٍ ومن أنني لا أضغطُ على نفسي كثيراً !
كان يعطيني أحياناً بعض أغانيه الذي كان يؤلفها ويلحنها بنفسه، 
وعندما سألته عن كيف يفعل كل هذا قال لي بأنه يستخدمُ استديو صديق صديقه الذي كان يسمحُ له باستخدامه لبضعِ ساعات .
أخذني إلى هناك في إحدى مواعيدنا العديدة وجلستُ هناك وأنا اشاهده من خلفِ الزجاجِ وهو يغني الراب لي ..
في تلك الليله فقط قبل أن نرحل من هناك دعاني  لدخولِ غرفةِ الصوت عنده
ووضع السماعات على أذني مُجبراً إياي على غناءِ أي شئ.
لم افعل شيئاً سوى أنني ضحكتُ وقلتُ له بأنني لا أجيدُ القيامَ بالراب وهكذا اعتقدتُ بأنني قد انقذتُ حياتي !
فقط عندما كنتُ على وشكِ أن أبعد السماعاتِ عن أذنيّ وأخبره بأن يتوقف عن إحراجي، استدرتُ لأشعرَ بشفتيه تلامسانِ شفتاي برفقٍ كما لو أنه كان خائفاً من أن أقوم بدفعه عني .
لم افعل .. لم ادفعه عني، بل اقتربتُ منه أكثر وأحطتُ بيديّ حول عنقه وأنا ابتسمُ عبر تلك القبلة .
بفعلي هذا كنتُ قد جعلته يحيطُ يديه حول خصري ليسحبني أقرب إليه كثيراً حتى التصقتُ بصدره .
هذه قبلتي الأولى .. قبلتنا الأولى !
هنا بدأت علاقةٌ جديةٌ بيننا ..
أصدقاؤنا اكتشفوا الأمر بعد مرورِ بعضِ الوقت عندما كشفونا مرةً ونحنُ نمسكُ بأيدي بعضنا ونحنُ نسيرُ للصف .
نامجون وجايون باركوا لنا وتشون هي سألت عن إن كان احدهم يملكُ أخاً او صديقاً قد يلصقوها به !
كنتُ سعيدةً لوجوده بجانبي .. كنتُ سعيدةً لكوني معه .. أستمعُ له ، أتحدثُ معه عن أي شئٍ في مخيلتنا .
قد نتحدثُ عبر السكايب أو قد يأتي لشقتي ليجلس بجانبي على الأريكةِ وهو يعانقني ..
كنتُ سعيدةً بشكلٍ جنوني .. في كلِ مرةٍ كنا نُقبِلُ بها بعضنا كان الأمرُ لي وكأنني لا أكتفي أبداً ..

وكأننا نقبلُ بعضنا للمرةِ الأولى !
الأيام تحولت لأسابيعٍ والأسابيعِ أصبحت شهوراً حتى مرت سنه وأنا بالفعلِ لا زلتُ
لا اصدقُ ما أنا فيه !

***

التجارب ~
" لا أعرفُ إن كنتُ أستطيعُ القيام بهذا .. " تنهد وهو يفركُ مؤخرة عنقه .
أخذتُ يده اليسرى وضغطتُ عليها بخفةٍ بين يديّ قبل أن أقوم بتقبيلِها جاعلةً منه يحدقُ بي .
" كنتَ دائماً تحلمُ بهذا ! لقد تأخر الوقتُ كثيراً للتراجعِ الآن وأنا لن اسمح لك أيضاً !"
" أجل ولكن -"
" كلا، سوف تذهبُ للداخل وسوف تغني الراب لهم وسوف تريهم أنكَ مُبهرٌ شوقا ! "
فتح فمه ليقول شيئاً آخراً ولكني حدقتُ به بتمعنٍ فتنهد قبل أن يميلَ نحوي ليقبلني .
" إنكِ مُحقة .. " تنهد مُسنداً جبهته على جبهتي .
" أنا دائماً مُحقة !" ابتسمتُ بتكلفٍ مُمازحةً .
فُتح البابُ امامنا وامرأةٌ ببلوزةٍ قصيرةٍ وقميصٍ أبيضٍ وشعرٍ أشقرٍ ظهرت من خلفه .
حدقت في الملفِ بين يديها وهتفت بصوتٍ عالٍ وهي تقول " مين يونجي !"
فزع شوقا بمجردِ أن سمع اسم مولده ولكنني قبلته بسرعةٍ مُجدداً قبل أن أدفعه نحو الباب .
" اذهب ! سوف تؤدي أداءً مُبهراً !"

أطاع ما قلته له ونهض وهو يتبعُ تلك المرأةَ للداخلِ بدونِ تحديقٍ للخلف .
---
الرابر ~
بمجردِ أن قدم شوقا في شركةِ بيج هيت الترفيهيه حتى قُبلَ فوراً .
الشركةُ لم تضيع إي وقتٍ في تطوير مهاراته أكثر وأكثر بوضعه لساعاتٍ أطول في الاستديو وفي دروسِ الرقص .
قرروا عدم وضعه في فرقةٍ شبابية بل وضعه في مخطط ترسيمٍ منفرد منذُ أنه موهوبٌ بما فيه الكفاية ليكون وحده .
بعد ستةِ أشهرٍ تقريباً .. أتى لشقتي في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل والعرقُ يغطيه وعيناه المتعبتان .
عند سماعِ صوت الجرس نهضتُ وفتحت الباب لتستقبلني إحدى ابتسامته اللطيفةِ تلك .
" يومٌ طويل ؟"
" جداً !" زمجر وهو يرمي بنفسه على الأريكة بمجردِ أن أغلقتُ الباب وسرتُ نحوه .
فتح يداه لي فأنطويتُ بجانبه ووضعتُ رأسي على صدره لأستمع لصوتِ نبضاتِ قلبه تتردد في أذنيّ و أشعرُ بأنفاسه القويةِ التي تصطدمُ بي .

ظننتُ بأنه وقعِ للنومِ بعد لحظاتٍ طويلةٍ من الصمتِ حتى رفعتُ رأسي نحوه لأراه يحدقُ بي بشرود .
" ماذا ؟!" أخذتُ أشعرُ بالخجلِ فجأةً .
مال وقبل جبهتي بهدوءٍ قبل أن يحدق في عينيّ مُجدداً .
" أسفٌ لأنني لم أكن حولكِ كثيراً في الآونةِ الأخيرةِ، ولكنني أعدكِ بأنني سأكون عندما يهدأ الوضع قليلاً .. هذا وعد !"
" أعلمُ هذا ." ابتسمتُ له .
إلتويتُ بين يديه أكثر كي أحدق في وجهه بشكلٍ أقرب وأقبِله جاعلةً منه يمسكُ بخصري بقوة وهو يبادلني قُبلتي .
" لا يجبُ عليك أن تعتذر .. دام أنكَ سعيدٌ بهذا الأمرِ فإذاً أنا سأنتظرك بصبر !"

للحظاتٍ كان هو يحدقُ بي بينما يسندُ جبهته على جبهتي ثم يحملني بين يديه إلى غرفةِ النومِ جاعلاً مني اقهقه بخجلٍ .

~
عشرةُ شهورٍ مرت وشوقا لا زال تحت التدريب ضمن شركةِ بيق هيت ..
ترسم شوقا في يومِ الثلاثاء بعدَ يومٍ من امتحان التاريخِ النهائي لي .
وجهه كان في كل مكان وفي كل عروض الموسيقى ، الأخبار ، القنوات وفي كل مواقعِ الأنترنت .
أقام عرضاً مسرحياً خاصاً به في ذلك اليوم تبعه مقابلةٌ معه في إحدى القنوات المباشرة في التلفاز .
تشون هي ، جايون ، نامجون وأنا كنا جميعاً في شقتي وشاهدنا أداءه كاملاً .
طوال الوقت كانت هناك ابتسامةٌ فخورةٌ تعتلي وجهي لأنه وأخيراً ما كان يحلمُ به تحقق .
كان هناك العديدُ والعديدُ من الناسِ يصرخون بإسمه وسيموتون ليقوموا بجذبِ انتباهه وعلى الأغلبِ سماعُ صوته كان صعباً جداً ولكنني استطعتُ أن ارى سعادته وبهجته ..
شوقا بفنه كان يمثلُ هيب هوب الشباب في كوريا الجنوبية وعلى مدى بضعةِ أيامٍ فقط كان قد اخذ شهرته بالفعل ..
البومه المنفرد أُنزلَ بعد اسبوعين من ترسيمه وقد تصدر المخططات والتصويتات .
في وقتٍ قصيرٍ جداً كان قد سخر نفسه لمقابلاتٍ في جميعِ انحاء كوريا ، ملتقى للمعجبين او في تجهيز البومه الجديد الذي تريد ان تقوم الشركه بإصداره قبل انتهاء
السنة !
لقاءتنا كانت نادرةً وقصيرةً مع مرورِ الأسابيع..اعلمُ بأنه مشغولٌ جداً واعلم بأن هناك اشياءً اهم من حبيبته ليهتم بها ولكنني لم أكن لأكذب بحقيقةِ انني كنتُ اشعرُ ببعضِ خيباتِ الأملِ احياناً .
في الأيام التي كنا فيها معاً لم يكن شوقا يريدُ ان يعلمَ العامةُ بأنه يواعدُ احداً لذا لم نكن نرى بعضنا سوى في المساء .
جلستُ بجانبه في سيارته وتنهدتُ وانا اراه يعبثُ بشئٍ ما في هاتفه بينما السيارة واقفةٌ امام احد المطاعم .
" شوقا .. " قلتُ بهدوءٍ وانا اقتربُ منه لألمس يده .
كتب شيئاً ما في هاتفه سريعاً وهمهم لي بدونِ ان يلتفت لي حتى .
" نحنُ في السيارةِ منذُ عشرِ دقائقٍ بالفعل ! ألن ندخل للداخل ؟!"
حدقت في النافذةِ فرأيتُ الناس يضحكون مع شركائهم تحتُ الأضواءِ تلك وهم يتناولون طعامهم بسعادة .
لقد كان مكاناً جديداً .. مكاناً قال بأنه متاحٌ له وبأنه متشوقٌ لجعلي اراه .
" حسناً .. " اجابني اخيراً قبل ان يكتب شيئاً اخراً بسرعةٍ ليلغلق هاتفه بعدها ويدسه في جيب بنطاله .
" اعتذر عن هذا حبيبتي ، هيا دعينا نذهب !" ابتسم وخرج من السيارةِ ليأتي الى جهتي ويفتح لي باب السيارة .
~
حدقتُ في هاتفي بينما اقفُ في الصفِ بجانبِ صديقاتي في السينما .
ذهبنا لهناك لنرى فيلماً جديداً كانوا يتحدثون عنه كثيراً في الأسابيع الماضية وعلى ما يبدو فهو مشهورٌ جداً نسبةً لهذا الطابورِ الطويلِ خلفي .
كنتُ قد ارسلتُ رسالةً لشوقا مُبكراً لأرى إن كان يريدُ القدوم ايضاً ولكنه فقط اجابني بقوله بأنه مشغولٌ ولربما في المرةِ القادمةِ سيأتي ..
تنهدتُ وابعدت الهاتف عني عندما حدقت بي تشون هي بابتسامتها العريضة .
" هل انتي متحمسةٌ له ؟!"
رفعت كتفاي بخذلانٍ لتقطب حاجبيها بينما تربطُ ذراعها بذراعي .
" هل الأمرُ بسببِ ان شوقا لن يأتي ؟ من يهتم ! فقط دعينا نستمتع معاً ، انا متأكدةٌ من انكما ستتخطيانِ الأمر ! "
كنتُ اعلم بأنها تحاول جعلي سعيدةً ولم اكن اريدُ ان اكون الشخص الذي سيفسدُ الليلة لذا فقط اومأت لها وانا ابتسم مُجبرةً .
" نعم انتي محقة .. لربما هو فقط يعبثُ في الأرجاء "
" هذه هي من الروح !" غمزت ولي وسحبتنا جميعاً خلفها .
كنتُ حقاً .. غاضبةً نوعاً ما ..
لا يستطيعُ ان يخرج معي للعشاء او يأتي للمنزلِ او حتى يخرجُ معنا لمشاهدةِ فيلمٍ ما .. حتى ولو فكرتُ في ان ندرس معاً دائماً ما سيكون مشغولاً ايضاً !
دائماً ما كان سيتغيبُ عن مواعدينا ليقضي وقتاً اطول في الاستديو ليجهز لإلبومه الجديد .
نعم اعلم بأنه منشغل واعلمُ بأن هناك اشياءً اهم مني ولكنني .. لم اتوقع شيئاً كهذا يوماً !
نادراً ما كان سيجيبُ على رسائلي ونادراً ايضاً ما كان سيتصلُ بي ..
في يومِ ذكرى مواعدتنا لهذه السنه كان قد ارسل لي رسالةً في الصباح واتصل بي وقال بأنه يريدُ ان نخرج سوياً لمكانٍ خاصٍ لنحتفل لوحدنا ..
لم اشعر إلا وبابتسامةٍ واسعةٍ ترتسمُ على شفتاي وانا اقول له بأنني موافقةٌ وبأنني لا استطيعُ الانتظار لأراه كعادتي ..
مرت للآن ثلاثون دقيقةً منذُ ان قال بأنه سيأتي وهو لا زال .. لم يأتي !
حدقتُ بالساعةِ في حاسوبي وتنهدتُ وانا اعبثُ بشعري بتضايق .
عرضٌ كوميديٌ ما كان يعرض على التلفاز فأغلقته لأنهم كانوا يوترونني بضحكهم الزائد .
بعد ساعةٍ تقريباً حدقتُ في الهاتف بينما اكملُ شرب قارورةٍ اخرى من الماء .
لقد ارسلت له رسالتان صوتيتان للآن ولا يوجدُ ردٌ بعد !
بعد بضعِ وقتٍ كنت قد نهضتُ فزعةً على صوتِ رنينِ هاتفٍ ما .
بحثتُ عنه في الاريكه حتى اخرجته من تحت الوسائدِ لأنظر في هوية المتصل .
" جدياً ؟!" هتفتُ بعدمِ تصديقٍ .
" انا آسفٌ حقاً ، التسجيل اخذ وقتاً كثيراً ولم استطع أن اخرج مُبكراً .. انا حقاً آسف ! اعدُ بأن اعوضك عن هذا ايون كيونغ !" قال من الخطِ الآخر .
ابعدتُ الهاتف عن اذني لأرى الوقت واحصل على صدمةٍ اخرى .
" لقد مرت ثلاثُ ساعاتٍ شوقا ! ثلاثُ ساعات !"
" انا اعلم ، انا اسفٌ حق -"
" توقف عن الاعتذارِ بحقِ الله ! انت دائماً آسف وانت دائماً ستعوضني .. دائماً هناك مرةٌ اخرى .. لقد وعدتني شوقا !"
" الأمرُ ليس بيدي صدقيني أنا -"
" لماذا امورٌ عديدةٌ ليست في يدك ؟! " قاطعته مُجدداً .
شعرتُ بالدموعِ تشتعلُ في عيناي ولكني امسكت بهن واخذتُ نفساً عميقاً مُحاولةً تهدئة نفسي .
" ايون كيونغ استمعي لي .. انتِ ومن بين كل الناس تعلمين بأنني لا اريدُ تضييع ذكرانا معاً ! انتِ كل شئٍ لي !

انا متعبٌ الآن ولا اريد ان نتجادل في يوم ذكرانا .. ارجوكِ ؟! لا زال باستطاعتي أن آتي لأخذكِ لنذهب لفعلِ شئٍ
ما !" تنهد بتعب .
هززتُ رأسي نافيةً رغم معرفتي بأنه لن يراني ومسحتُ الدموع التي بدأت تتساقطُ على وجنتاي بظهرِ يدي .
" انا متعبة .. اعلمُ بأنك متعبٌ ايضاً ، دعنا نفعل اي شئٍ في مرةٍ اخرى ستكونُ فيها مُتفرغاً ." قلتُ له .
" ماذا ؟ كلا ، انه يوم ذكرانا ! نحنُ سوف نخرجُ معاً وانا سوف آتي لأخذكِ الآن ، حسناً ؟"
" حسناً .. " تنهدتُ وانا اضعُ قدماي على الأريكة .
" جيد .. انا في طريقي ."

~ قرارات ~
صُفِعَ البابُ خلف شوقا عندما خرج من الشقةِ ولغضبي اخذتُ المزهرية القريبة مني ورميتها على الباب على الرغمِ من انه كان قد ذهب .
تحطمت المزهريةُ لفتاتٍ وسال الماء الذي كان فيها على الأرضِ الخشبيةِ تماماً مثلي انا التي سقطتُ على ركبتيّ لأترك نفسي ابكي بكلِ
قوتي .
الأمورُ فقط تصبحُ اسوأ !
بعد جدالنا هذا لم نتحدث انا وشوقا لشهرين .. نامجون كان يسألني احياناً عنه ولكنني اخبرته بأنني لم اعد اعرفُ عنه شيئاً .
في كلِ مرةٍ سأفتحُ بها الانترنت كنتُ سأجدُ مقالةً عنه وفي كل مرةٍ سأفتحُ بها التلفاز كان يجبُ ان اراه ايضاً .
كان يخططُ للذهاب للصين بعد اصدار البومه الذي حقق نجاحاً باهراً .

وكان ايضاً يخططُ لعمل اعلاناتٍ ترويجيةٍ لشركةِ ملابس وشركةِ مستلزماتٍ للعنايةِ بالبشرة .
ظننتُ بأنني وصلتُ لأدنى نقطةٍ استطعت الوصول أليها ولكن بعد المكوثِ في شقتي والبكاء بكلِ طاقتي لأسابيعٍ ادركتُ النقطة الحقيقية.
بعد شهرانِ من الفراقِ ادركتُ بأننا انتهينا .. ادركتُ بأنه قد تخطى الأمر وانه الآن يقدمُ اشياءً افضل وافضل بدونِ ان اكون انا خلفه ..
بينما كنتُ اجلسُ في المكتبة اطبعُ ورقةً على حاسوبي شعرتُ بشخصٍ ما جلس امامي فجأةً ولم احدق به حتى سمعته يتنحنحُ بصوتٍ عالٍ بعض الشئ .
دفعتُ رأس الحاسوب للإسفل واغلقته فقط لأبتلع ريقي بصدمةٍ لرؤيةِ شوقا امامي .
شعره كان مصبوغاً بلونٍ احمرٍ داكن وهو يغطيه بقبعةٍ متصلةٍ بسترتهِ القطنيه مظهراً بعض خصلاته الحمراء على جبهته .
كان يحدقُ بي بترددٍ ولربما عندما ظن بأنني إن لم يتحدث لن اتحدث بدأ هو بالتحدث .
" اعلمُ بأنكِ لربما لا تريدين فعل أي شئٍ معي بعد اخر مرةٍ رأينا فيها بعضنا وبعد ما قلته لكِ .. انا آسفٌ ولكنني لم استطع الذهاب الصين ونحنُ هكذا .. انا اسفٌ لأغضابكِ ولأياذئكِ !" توقف قليلاً وقد كان من الواضحِ بأنه قد كان من الصعبِ عليه أن يتحكم بمشاعره .
احدهم حدق بنا وهو قرب كرسيه نحوي ..
" انا لا اريدُ ان اعيش بدونكِ ! لا استطيع .. أنا أُحبكِ !!"
حاجباي التقيا معاً وعضضتُ وجنتي من الداخل .. كنتُ متعبةً من البكاء ..
اخذ يداي وامسكها بين يديه ..
" ارجوكِ .. "
" لا استطيعُ ان اكون هكذا معكِ .. اعلمُ بأنني آذيتكِ ولكنني .. اسف ! انا سأحاولُ .. "
لقد فعلتها .. لقد عانقته !
بسرعةٍ سحبته لعناقٍ بين يدي وقد تحررت دموعي من عيني وحطت على رقبته .
ابتعد عني قليلاً ليُقبِل جبهتي .. عيني المُغلقة وانفي ..
عندما حدقتُ في عينيه كان قد وضع ابهامه على وجنتي ومسح دموعي وقَبَل شفتاي ..
للمرةِ الأولى هذه المرة .. لم أعد اشعرُ بأي
شئ !

~ الرحيل ~
اغلقتُ القلم بغطائهِ ووضعته جانباً بجانبِ المُفكرة الصغيرة التي تركتها على الطاولة .
من طرفِ عيني حدقتُ بشوقا الذي كان يستلقي على السريرِ وقد لمعت بشرته بسببِ اشعةِ الشمس التي داعبتها من النافذةِ وعضضتُ
شفتاي .
اللحافُ كان قد وصل لخصره وهو كان يأخذ نفساً برويةٍ ويفركُ انفه بخفةٍ وهو نائم ..
اخذتُ هاتفي من على الطاولة وايضاً مفاتيحي قبل أن اسرق نظرةً اخيرةً لتذكرةِ سفره إلى الصين المعلقة على مرآته ..
مررتُ اصبعي على الورقةِ قبل ان اضحك بخفةٍ وافتح باب غرفته .
كان من المفترضِ أن يرحل في يومِ الأحد وأراد مني ان اذهب معه كي نقضي وقتاً اكثر معاً ..
تنهدتُ وهززتُ رأسي قبل ان أسترق نظرةً اخرى اخيرةً لهذا الرجلِ الذي اعطتيه كل شئٍ املكه .
لقد علمتُ الآن ... أن وعوده .. لم تعد تعني شيئاً بعد الآن ..
انتهى ~

Like this story? Give it an Upvote!
Thank you!

Comments

You must be logged in to comment
No comments yet